د. عبدالعزيز ادم
الكون المعجز:
الكون, ذلك الفضاء الشاسع الغامض الذي حير الانسان عبر التاريخ و أثبت عجز الإنسان عن معرفته كننه وأسراره، وحتى بعد الوصول لقدر ضيئل من المعلومات عن الكون عجز عقل الأنسان عن اسيتعاب حجمه المهول بمجراته ونجومه وكواكبه وأقماره وكويكباته ومذنباته.
لقد دشن الانسان مع التطور العلمي المهول فى علوم الكون وكلات للفضاء تنفق مليارات الدولارات سنويا في الأبحاث المتعلقة بالكون (مثل وكالة ناسا الأمريكية و وكالة الفضاء الأوربية التي تدعمها معظم دول الإتحاد الأوربي ووكالة روسيا الفيدرالية وغريهم) ونتج عن ذلك ترسانة من المسابير الفاضائية (مركبات فضائية بدون طاقم يتم اطلاقها الي الفضاء مباشرة لاستكشافه- أشهرها مسبار هابل) علاوة على الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية التي تعكف ليلا نهارا علي مدار الساعة لدراسة اسرار هذا الكون المهول الغامض. وبرغم كل هذه الترسانة من الالات التي تتمتع بأعلى التقنيات والنفقات المهولة والعكوف الدؤوب من صفوة العلماء عبر التاريخ الي يومنا هذا علي دراسة الكون وقد سخر الانسان كل امكاناته ودراساته، كل هذا وصل بنا إلي حقيقة لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال، هذه الحقيقة مفادها أن كل ما وصلنا وما سوف نصل اليه من معلومات عن الكون يؤكد ضعفنا أمام هذا المخلوق المعجز ويوكد انا ما وصلنا له هو لا شيئ مقارنة بالحقيقة الكاملة أو قل نقطة من بحر أسرار هذا الكيان المجهول المعجز.
نبذة تاريخية عن مفهوم الإنسان للكون:
هي رحلة غريبة بدأت من تصور الإنسان بشكل بدائي ساذج أن الكون هو الأرض والشمس والقمر والنجوم مجهولة الحجم والصفة. وأن الأرض ثابته والشمس والقمر يدوران حولها, وبمرور الزمن بدأ يفطن الإنسان إلي أن الأرض هي التي تدور حول الشمس, ثم ما لبث أن أدرك أن الأرض هي كوكب من تسع كواكب تدور حول الشمس. وبدأ ذلك متأخرا عام 1846 باكتشاف أول كوكب غير الارض (كوكب نيبتون) وتم اكتشافه من خلال المعادلات الرياضية للجذب وانكسار الضوء وليس الرصد لأن العلم لم يكن قد وصل حينها للقدرة على رصد الكواكب. ومن العجيب أن الانسان ظل محتجبا عن الوصول لحقيقة وجود كواكب أخري غير الأرض ونيبتون حتي عشرينيات القرن الماضي عندما اكتشف العالم الامريكي كلايد تومبو
-Clyde W. Tombaugh – كوكب بلوتو في العام 1928 وتباعا توصل الانسان الي كواكب المجموعة الشمسية التسعة وتوصل إلي حقيقة أن الشمس كبيرة بالقدر الذي يمكن أن يوضع بداخلها اكثر من مليون وثلاثة مائة الف أرض. وهنا استكان الإنسان بعض الشيء، ظنا منه أنه توصل إلي حقيقة الكون وكأن الكون هو عبارة عن الشمس الكواكب التي تدور من حولها ونجوم مجهولة ألفة والبعد. ومع التقدم العلمي الرهيب والمضطرد تأكد للانسان جهلة بهذا الكيان الغامض وأكتشف أن الشمس وكوكبها ما هي الا نجم من اكثر من 250 مليار نجم في مجرة درب التبانة وأن الشمس بحجمها المهول الذي يتسع لأكثر من 1,300,000 أرض ما هي إلا نجم قزم من حيث الحجم مقارنة بمليارات النجوم الأخري في مجرة درب التبانة. ولعل الإنسان حينها بدأ يستشعر صعوبة الأمر ويعي أن فهم الكون لن يكن أبدا بالبساطة التي كان يظنها وبرغم من ذلك ظن الإنسان أن مجرة درب التبانة (التي تعتبر أرضنا أقل من نقطة في محيط بالنسبة لها) هي نهاية الكون أو هي الكون ذاته. وما كاد الانسان ان يستكين ليعكف علي دراسة هذه المجرة المهولة التي تتعدي حدود تخيله إلى أن وصل لحقيقة مذهلة أبعد من أن تكون خيالا وأكبر من حدود تخيل العقل البشري وفهمه, هذه الحقيقة هي أن مجرة درب التبانة ذاتها بنجومها (او شموسها) ال 250 مليار ما هي إلا مجرة واحدة من ضمن حوالي 200 مليار مجرة اخرى أغلبهم أكبر حجما من مجرتنا وأن هذا العدد المهول من المجرات ذاته يسمي بالمجرات المرئئة اي التي استطاعت المسابير الفاضئية رصدها حتي اليوم، وهو ما يعني احتمال وجود مليارات المجرات الاخري التي لم ترصدها ترسانة الآلآت البشرية بعد. ولم يستطع الإنسان استخدام ايا من وحدات القياس المعروفة لدينا لمعرفة المسافات في الفضاء، ولم يجد غير سرعة الضوء ليستخدمها كوحدة قياس لقياس أبعاد الكون المعجز. وحتى تتعرف علي وحدة قياس المسافات باستخدام الزمن الضوئي، عليك معرفة أن الثانية الضوئية (أي المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية واحدة) هي 300,000 كيلو متر وهو ما يعادل عشر اضعاف محيط الكرة الارضية فى أقصى اتساعه, أي أن شعاع الضوء يمكنه الدوران حول الأرض عشر مرات في الثانية الواحدة. وباستخدام وحدة قياس الضوء وصل الإنسان الي أن عرض الكون المريئ هو 93 مليار سنة ضوئية (اي المسافة التي يقطعها الضوء خلال 93 مليار سنة) مع ملاحظة أن هذا هو عرض الكون المرئي الذي رصدته أجهزة الإنسان الفلكية وهو ما يعني أن عرض ومساحة الكون من المرجح أن تكون اضعاف هذا الرقم ربما بمليارات المرات, علاوة على أن الكون في توسع مستمر ومتسارع في الزمكان (الزمان والمكان معا).
نهاية الكون:
سؤال حير العلماء بكل هذا القدر المذهل من وسائل التقدم ووكالات الفضاء وترسانات الأجهزة والأقمار والمسابير المفلكية، لم يصل أحد أو استطاع أن يؤكد كيف سينتهي هذا الكون؟ ولكن الكل أجمع أن لهذا الكون المعجز نهاية محتومة مهما طالت به المدة ربما بعد مليارات السنين ولكن لا أحد يعلم أو يجزم بزمن أو صفة نهاية الكون. ولكن هناك نظريات كثيرة افتراضية لسيناريو نهاية الكون وجميعها مثيرة جدا وتدعو للتأمل, ساتناول معكم ثلاثة منها وهي الأقرب للمنطق ولكن كما ذكرت ليست جازمة وربما جميعها بعيدا عما سيحدث بالفعل.
قبل الخوض في ملخص هذه النظريات, هناك سؤال هام قد أجبت عنه في مقالات سابقة ولكن لا بأس من تلخيصة باقتضاب وهو: لمعرفة نهاية الكون لابد أن نعرف كيف بدأ الكون؟ بعد الوصول لحقيقة أن الكون في تسارع وتمدد مستمرين ومن خلال الحسابات لتسارع الكون وصل الانسان اللي حقيقة أن الكون بدأ من نقصة متناهية الصغر ذات كتلة لا نهائية وحدث لها تمدد عظيم كان هو اللبنة الأولي لتسارع الكون وخلقه حدث ذلك قبل حوالي 14 مليار سنة بمقاييس السنوات الارضية ومن هنا نشات نظريات افضراضية لنهاية الكون اهمها:
نظرية التجمد العظيم:
هذه النظرية تعتمد على فكرة تمدد الكون وتسارعة المستمر في الزمكان وذلك سيصل بالكون الي مرحلة ستقل فيها كثافة الكون الى درجة يتم فيها استهلاك الوقود النووي المجود في النجوم (مثل الشمس) -والتي تعمل كأفران نووية تحافظ علي تماسك الكون واستمراره، تستهلك طاقتها بالكامل وبذلك تقل درجة حرارة الكون تدريجا الي ان تصل الي درجة حرارة الصفر المطلق ( 273.15 درجة تحت الصفر بمقياس سليزيوس) وهى أقل درجة حرارة يمكن الوصول إليها وبهذا يظل الكون في تسارع ولكن يصبح موحشا مظلما بلا ضوء ولا وقود وقبلها بلا حياة. في حال حدوث هذا السيناريو فان الحياة على الارض ستنتهي قبل ذلك بمليارات السنين كون شمسنا من النجوم الاقل من حيث الحجم والطاقة وبذلك ستفقد حرارتها سريعا قبل باقي النجوم وتبعا لذلك ستفقد الأرض الضوء والحرارة وتنعدم الحياة عليها بالكامل.
نظرية التمزق العظيم:
هذه النظرية التي تم نشرها عام 2003 والتي تعتمد ايضا علي فكرة تسارع الكون وتمدده في الزمكان, وتقضي بأن الكون محكم ومترابط ومتمساك للغاية من خلال قوى الجذب الناتيجة عن مليارات المجرات والنجوم المنتشرة في أرجائة في حسابات متقنة ومعجزة، ومع استمرار الكون في التوسع تقل كثافته ووتتباعد المسافات بين مجراته بشكل مهول تفقد عندها قوة الجذابة لتتحرك بشكل عشوائي يتسبب في تمزق الكون, وتبعا لذلك تخرج أرضنا عن مدارها وتتمزق اشلاء كباقي عناصر الكون, ولتقريب فكرة هذه النظرية، إذا افترضنا أن الكون وكانه بالونا يتمدد بفعل ضخ الهواء فيه بنسب متسارعة فعند لحظة معينة سوف ينفجر هذا البلون ويتمزق اشلاء.
نظرية الانكماش أو الارتداد العظيم:
هذه النظرية هي الأقرب للحقيقة والمنطق سأذكر سبب ذلك لاحقا, تفترض هذه النظرية أن نهاية الكون سوف تكون مشابهه للكيفية التي بدأ بها, مفادها ان الكون في حال توسع مستمر ناتج عن الطاقة التي اكتسبها من التمدد العظيم الذي حدث للنقطة التي بدأ منها قبل حوالي 14 مليار عام, ولازال الكون يتمدد وسيستمر في التمدد الي المرحلة التي يفقد عندها قوة الدفع التي نتجت عن الطاقة التي بدأ أثناء التمدد العظيم في بداية كما ذكرت. عند فقدان هذه الطاقة سيقل معدل تسارع الكون تدريجيا إلي أن يتوقف عن التسارع ويبدأ في مرحلة الإنكماش أو الإرتداد العظيم وسيكون ذلك بمعدل أسرع بكثير من تسارعه الحالي، ولكن لن يقل عن عدد معتبر من مليارات السنين. لتبسيط تلك النظرية, هي تشبه فكرة اطلاق قذيفة من سطح الارض مثلا مباشرة إلي أعلي، هذه القذيفة في البداية ستكون في تسارع مستمر ضدد النقطة التي بدأت منها (جاذبية الارض) ولكن بعد فترة معينة نتهار مقاومتها للجاذبية عندما تفقد قوة الطاقة التي اطلقت بها، وبذلك تعود إلى الارض مجددا أي إلى نقطة البداية. و كذلك الكون بعد مليارات السنين سوف يبدا بالتسارع العكسي للوصل إلى الشكل الذي بدأ منه عم نفاذ طاقة التسارع باتجاه الاتساع. وسبحان الله، لقد ذكرتني هذه النظرية المنطقية بالآية الكريمة ” يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ” اية 104 سورة الأنبياء (السماء هنا اشارة إلى الكون)
وهذه النظرية الإفتراضية التي تصف نهاية الكون هي الأقرب للمنطق لسبب علمى واضح وهو الثقوب السوداء التي تنتشر في أرجاء الكون. الثقوب السوداء هى ببساطة هي صورة مصغرة لنهاية الكون, فهي كانت نجوم انطوت علي نفسها بسبب جاذبية مهوله ذاتيه لدرجة انها تجذب الضوء ولا يظهر بداخلها بعد وقد اصبحت ثقوب صغيرة حالكة السواد بعد أن كانت نجوم ذات احجام مهولة.
سوف اتطرق لظاهرة الثقوب السوداء بشيء من التفصيل في مقالات لاحقة باذن الله استمرارا لسلسة مقالتي عن هذا الكون المعجز بأسراره التي لم نصل إلا إلى فدر ضئيل جدا مهنا والتي لن تنتهي أبدا إلا بنهاية هذا الكون المعجز.