عندما كنت صغيراً سألتهم عن الوطن فأخبروني بأنّه حزم حقائبه ومضى .
سألتهم مضى !. مضى إلى أين ؟
قالوا : ” أسكت ” الحيطان ليها ودان !
فتساءلت كيف يمكن للحيطان التي تواري سوأتي أن توشي بنا .
وكنت كل يوم أأوي إلى فراشي وأنا معتقد بأن الوطن ذهب إلى منفاه بوشاية من جدرانه .!
عندما كبرت علمت أن الجدران ليس لها ودان
وأنها عكس البشر عاجزة عن الوشايه
وتيقنت أنهم أرادو للجميع أن يسكت
وأن الوطن نفي نفسه لأنّه اختنق بالصمت .
علمت بأنّ الوطن كان يريد ألبقاء
ولولا أن قومه أخرجوه ما خرج
أرادوه أن يضحك حين يبتسم ابن الوالي
وأن يبكي حين يتعثر ابن الوزير
وأن يُغني حين يعربد ابن الخفير
وأنْ يلبس السواد حين يموت الكبير
وأن يبايع في اليوم التالي كبيراً آخر يجفف دموعه .
علمت ايضاً حين كبرت بأنهم لم يمسكوا بتلابيب الوطن ومحاولة منعه من الرحيل
هم لوحوا له بمناديلهم فقط وهو يبحث عن الطريق
ولحظة وصوله الى آخر نقطة في الوجع
قالوا له : الوطن وطنك متى أردت الرجوع !
كانوا يعرفون أنه لن يرجع
وكان يعرف الوطن بأنهم لا يريدونه أن يرجع
معرفة الحقيقة عذاب حق !
كان وطنهم هم
وطن الذين يأمرون بالمعروف
ونسوا أن سكوتهم عن أشياء أخرى منكر أكبر !
وطن الذين ينهوا عن المنكر
ولو أراحوا الوطن من خطاباتهم لكان معروفاً أكبر .
كفل الدستور حقكم في الحياة ولكن عليكم أن تموتوا كل يوم ألف مره
موتوا كي تكونوا جديرين بالوطن !.
أعترف الدستور بحقك في انتخاب برلمان وحاكم
ليخبروك أن الطريق إلى سد العجز يمر من جيبك !
يعترف الدستور بحقك في المساواة ولكن
مت أولاً !
ففي المقابر فقط يتساوى الجميع ،الغني ، والفقير ..
يُقر الدستور بحقك في المغادرة متى شئت
لا اعترافاً بحريتك في المغادرة ،
بل لأن هناكَ الكثير منك
رحيلكَ لنْ يحدثَ فرقاً
فقدَ رحلَ الوطنُ وبقيت الحكومة تسيِّرُ الأمور
لا أحد يلوي ذراعَ الحكومَة ولا حتى الوطن
هل عرفتم لماذا حزمَ الوطنُ حقائبَه ؟
يعترفُ الدستورُ بحقكَ في المُسَاواة
مُتْ أولاً ! في المقابرِ يُوارى الجميعُ ذات الثرى
.
حتى هذه ليست بها مساواة!
فلن يضعوا اكليل الزهور في ذكرى الجندي المجهول على قبرك ،
رغم أنك عشت عمرك كله مجهولا !.
Facebook Comments