فرأى قبراً ، وبقايا من صحيفة ،
وأشلاء ” مواطن ” ..
حدثني الشيخ فقال :
كان وجه القبر كرغيف ” الجائعين “..
كنسيم الحزن من فؤاد ” الياسمين ” ..
كان وجه القبر .. بركان أنين .!
أستطرد الشيخ ولسان الدهشة يصول :
لم يكن في داخل القبر بقايا من “جسد”
لم يكن في داخل القبر ” أحد “
قلت : ” أحد ” ..كررها : ..” أحد “
لم يكن داخل القبر سوى
أسطورة فيها من الصدق ” كذب “
ومن الحزن بكاء ” من فرح “
وأنين من أمل … وابتسامات ” ألم “
قُلت : ” أمل ” ، قال : ” ألم “
كانت الثورة في القبر ” تئن “
وفؤاد مستكن ..
وصراخ يطرِق فجر الأجوبة ،
وسياط تسبق الأسئلة !
و … وأستطرد الشيخ وقال :
أعلن الطغاة :
( بأن الموت حق ، وهكذا الحق يموت )..
عندها .. قال شيخنا بعد موت السامعين :
رحم الله المواطن ..
فقد كان شيخاً خرفاً ..
لم يكن يعلم أن الموت أمراً
والمشانق .. والسجون
صناعة الطغاة …
وطغاتنا ” منا ” !! و(…) !!
مات شيخنا ولم نعلم .. ما تبقى من حروف .!
المشهد الأول :
موسيقى وطنية جداً ..
وشاعر شعبي يتعامل مع أحباله الصوتية بطريقة بشعة ..
وبسادية أكثر بشاعة مع أُذن من يستمع إليه ..
ليشعر بلذة مزدوجة !..
.
.
المشهد الثاني :
مذيعة نشرة الأخبار تُخبره ـ بينها وبينه ـ أن عدداً من الأرقام البشرية كفت عن الحياة ، وضعفهم لن يكملوا الحياة بكامل الجسد الذي وهبهم به خالقهم ..
ثم تبتسم وتلقي نكتة باهتة قبل أن تعطي الدور في الكلام للمذيع الذي يجلس إلى جوارها ، يبتسم هو الآخر ويخبره ـ بينه وبينه أيضاً ـ أن فريقاً لكرة القدم أنتصر انتصاراً ساحقاً ..
يتذكر المواطن المهمش موعداً للعشاء ، فيطفيء التلفزيون ويسب المذيعة بكلمات بذيئة لأنها لا تجيد التمثيل كما ينبغي ، يخرج لموعد العشاء ويتحدث مع الأصدقاء عن معاناتة ، وشاعر الوطن ، وتشكيلة المنتخب وقضايا اخرى على رأسها (الأقتصاد) ..
.
.
المشهد الثالث :
يحاولون إقناعه أن العالم يشعر بالصداع ..
ويفشل في إقناعهم بأنه ليس ” حبة أسبرين ” ..
فيتفقون على البحث عن آخرين لكي ينسبوا اليهم كل مشاكلهم ..
(تباً للأخرين) .. كان هذا هو الاتفاق !..
.
.
المشهد الرابع :
يحضر إلى صلاة الجمعة قبل أن تبدأ الخطبة ، كانت المرّة الأولى التي يحضر في مثل هذا الوقت المبكر ، إعتاد منذ زمن أن يأتي للمسجد في الفقرة التي يقول فيها الخطيب : “اللهم أنصر الاسلام والمسملين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين” .
وكان يردد بعد كل مقطع بعضاً من (ألأمين) الآلية ..
لم يسأل نفسه من قبل عن كيفيه هذه النصرة ، أو من هم المسملين الذين يدعوٓ لهم ، بل إنه لم يفكر في أن يعرف من هم أعداء الدين الذين يدعوٓ عليهم بشكل أسبوعي منذ 15 عاماً !..
في هذه الجمعة ولأنه حضر مبكراً فقد سمع الخطبة منذ بدايتها ، كان الإمام يحدث الناس عن السياسة ، وعن أنها مفسدة للناس وللقلوب ، وأنه ليس مطلوباً أن يهتم المسلم بغير العبادة ، وأن السياسة شأن ولاة الأمر وحدهم ..
أراد أن يسأل الإمام عن مبرر الدعاء على أعداء المسلمين لمجرد اختلافات سياسية في وجهات النظر بما أن الأمر لا يعنية ، كان يريد أن يقول له فلتدع عليهم أنت وولاة الأمر فقط بما أن الأمر كذلك ، ولكنه تذكر أن هذه خطبة جمعة وليست مؤتمراً صحفياً للإمام !..
أستطرد الإمام وقال : إن مشاركة النساء في اليوم الوطني واجب مقدس ، وعلى كل رجل أن يحث زوجتة على المشاركة ..
أراد أن يعتذر للإمام كونه أعزب .. كما إنه لا يجيد الرقص على الاغاني الوطنية أو غيرها ، وحتى لو عنده برهان من الله بأن الرقص في اليوم الوطني حلال ، فأنه بالكاد قد صام يوم الأثنين .. ولكنه تذكر أنها خطبة جمعة وليست ندوة ..
استرسل الإمام وقال : إن من مفاسد حياتنا أن بعض الناس ـ هداهم الله ـ يدخلون التلفزيون إلى منازلهم بحجة متابعة الأخبار ومعرفة ماذا يجرى في العالم ، ثم تبين أن هذا خطأ ، وأنه كمسلم ليس مطلوب منه أن يعرف أشياء لا تهم إلا ولاة الأمر وحدهم !..
أراد أن يُصفق للإمام لأنه تذكر مذيعة الأخبار التي يشتمها كل يوم ، ولكنه تذكر أن هذه خطبة جمعة وليست جلسة أدبية في أمسية شعبية !..
يبدأ الإمام أخيراً في الجزء الذي يعرفه جيداً ، ويرفع صوته بالدعاء : اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، من اليهود وأذنابهم من العلمانيين الذين يريدون فصل الدنيا عن الدين ، اللهم جمد الدم في عروقهم واجمعهم عدداً واقتلهم بدداً !..
يتوقف عن قول (آمين) فجأة ، ويتسائل لماذا يدعوٓ الإمام على نفسه بهذه الطريقة البشعة ؟!
أراد أن يسأله ولكنه تذكر مجدداً أنه ليس مؤتمراً صحفياً وان الأحذية تخلع عند باب المسجد !..
.
.
المشهد الخامس :
يفتح التلفزيون ويشاهد ذات المذيعة تبتسم ذات الابتسامة وتلقي ذات النكتة ، وتخبره بأرقام أخرى كفت أيضاً عن الحياة ، لأنهم يواجهون عدو الأرقام الذي لا يرحم !..
يغلق التلفزيون ، ويكيل ذات الشتائم البذيئة الى المذيعة ..
يتذكر موعد الغداء ..
يُحضر الطعام ويبحث عن ورقة جورنال محلية لتمارس دور السفرة الأرخص ثمناً ..
يفتح الجورنال وعلى الصفحة الأولى يجد هذا الخبر :
رؤساء العرب يشجبوا ما يحدث في سوريا ، ويقرروا – أي هم – بمناقشة الأمر في أقرب (شرم) ممكن ..!
خبر هام :
تمر البلاد الأن بفترة ديموقراطية لم تشهدها من قبل ، والنمو ألأقتصادي في احسن مراحلة ، كما دعمت الدولة المواطنين بمليار دولار لتوفير السلع التموينية .. وقرأ في السياحة ؛ مصر اسرع المقاصد السياحية نمواً في العالم .. وفي الحوادث ؛ 57 رقم لن يكملوا الحياة ببقية اعضائهم التي خلقهم بها الله ، وقرأ في “حريتي” ما لا يمت بصلة للحرية …
.
.
المشهد السادس :
تنتهي الأيام ليكون رقماً جديداً في نشرة الاخبار ، وتضيفة السماء لسجلاتها كأحد الراحلين ، ويكف عن العمر الأسود !..